28 مايو أسد
يقال دائما إن اللص أذكى من الضابط.. والضابط الكفء يتوقع الخطر، ويستعد لما يخبئه له المجرم.. إلا أن ضابطا مهما بلغت درجة كفاءته، ومهما طالت خبرته العملية لم يكن ليتوقع أن المجرم يخبئ له أسدا.. مفاجأة مذهلة بكل المقاييس، فأقصى توقعات أى ضابط من مسجل خطر يعمل فى المخدرات أن يبادر بإطلاق بعض طلقات من مسدس أو بندقية، أو يخرج عليه ببلطة أو بسيف من السيوف المنتشرة هذه الأيام بصورة تذكرنا بحروب الجاهلية، أو بمطواة قرن غزال إذا كان مسجلا خطرا عاديا.. وقد يستعين هذا المسجل خطر بمجموعة من الخارجين على القانون فى منطقته أو يكون محميا ببعض كلاب الحراسة.. إنما أسد.. مستحيل.
ولا أعرف كيف كان شعور الضابط ورجاله حينما أطلق المسجل خطر أسده من عرينه المنزلى المتواضع عليهم.. صحيح أنهم أردوا الأسد قتيلا، ولكنهم بالتأكيد كانوا فى حالة هلع.. فالمفاجأة مذهلة، وقد كان أسدا متوسط الحجم، وليس شبلا صغيرا كما بدا فى الصورة، أى أنه مؤذ، ولهذا انشغلوا بالأسد وتركوا المسجل خطر يهرب.. وهى على أى حال واقعة تستحق أن تدرس فى كلية الشرطة، فمن المؤكد أن طلبة الشرطة لم يدرسوا أساليب التعامل مع الأسود والنمور عند القبض على المجرمين.
ولا أعرف ماذا تخبئ لنا الأيام المقبلة بعد هذا الواقع المضحك والمأساوى فى نفس الوقت.. فالمجرمون والبلطجية أصبحوا من الانفلات لدرجة أن أحدهم يربى أسدا فى منزله لحمايته من الشرطة ولردع المتطفلين.. ولا أعرف إن كان هذا الأسد بحوزة تاجر المخدرات قبل يناير الماضى حينما كان المجرمون يخافون من الشرطة أم لا.. ولكن الفراغ الأمنى شجعه، فأحضره من مكان ما..
ربما من حديقة الحيوان أو من سيرك.. الله أعلم.. المهم أنه أحضره وسار به فى الشوارع دون أن يعترضه أحد، ووضعه فى المكان الذى يعيش فيه فى طنطا، وفى ظنى أن طنطا ليس بها حديقة حيوان أو سيرك، كما لا توجد حولها غابات تعيش فيها النمور والأسود والفهود فاصطاد هذا المسجل خطر الأسد منها فى رحلة سفارى.
الفوضى الأمنية تجسدت فى حالة أسد طنطا فى أسوأ صورها.. فنقل الأسد ليس من السهولة التى تجعله يصل إلى طنطا بهذا الأمان والاطمئنان، إلا إذا كان فى القانون نص لا أعرفه يسمح للأشخاص بحيازة الحيوانات المتوحشة والتنقل بها بين المحافظات وفى الأحياء السكنية.. وبالتأكيد أن الأسد لم يكن مهذبا لدرجة أنه لم يزأر أو أن صوت زئيره كان خفيضا لدرجة أن أحدا من السكان القريبين من مكان المسجل خطر لم يشعر به، وكيف لم يبلغ أحد عن وجود أسد فى المنطقة؟.. ولا أريد الظن بأن أحدا أبلغ ولم تهتم الشرطة كما نلاحظ هذه الأيام، فبعض الظن إثم.. ولكننا يجب أن نعرف كيف كان يطعم هذا المسجل خطر أسده، الذى يلتهم كميات كبيرة من اللحم.
الحقيقة أننا أمام تطور مذهل فى عالم الجريمة بمصر، ولكن لا يقابله- بكل أسف- تطور فى الأداء الأمنى المتوارى منذ 28 يناير الماضى.. وفى ظنى أن حادثة الأسد على ما تحمله من كوميديا، يجب أن تحفز الشرطة للعودة، لأن ضباط الشرطة أنفسهم فى خطر.. وقد كان ممكنا أن يقع أحد أفراد قوة الشرطة فريسة لهذا الأسد، فتسوء الأوضاع أكثر، فلا هم قادرون على إطلاق الرصاص على البلطجية، الذين يهاجمون الأقسام ولا الأسود التى بحوزة المسجلين خطر.. ولا أحد يعلم ما الذى ينتظر الشرطة غدا.. فالمجرمون يستحدثون وسائلهم بصورة مذهلة، والشرطة لم تستجب بعد بتطور موازٍ.
الحادثة قد تبدو بسيطة، ولكنها تعبر عن واقع فوضوى لم نشهد له مثيلاً، ولم تصل له أقصى توقعاتنا.. ولا أقبل الزعم بأن ثورة يناير كانت سببا فى هذه الفوضى، ولكنها بسبب الفراغ الأمنى، الذى أشعل عبقرية اللصوص والقتلة والبلطجية، وأثار أفكار الخارجين على القانون فاطمأنوا وأبدعوا..
ولابد أن ينتهى هذا الفراغ بأسرع وقت ممكن.. فالثورة قامت من أجل التغيير للأفضل.. والفراغ الأمنى هو المعوق الأول لهذا التغيير المنشود.. والشرطة تعلم تمام العلم أن تأخرها فى العودة لتحمل مسؤولياتها لن يؤدى للتعاطف المطلوب معها.. والشرطة تعلم أيضا أن تجاوبها وتعاملها على أساس خدمة الشعب سيعيد ثقة المواطنين فيها أسرع وأسرع.
هذا ليس تحاملا على الشرطة.. ولكننا لا نريد أن تخسر الشرطة أكثر مما خسرته خلال الثلاثين عاما الماضية.. وقد بُحت أصوات العقلاء من أبناء هذا الوطن طلبا لعودة الأمن المفقود وحماية المواطنين.. ولكن لا أحد يعلم لمصلحة مَنْ هذا التباطؤ؟ وإلى متى؟