15 يناير أووفر
يفشل الممثل لو شعر الجمهور بأنه يمثل.. وبلغة الممثلين، فإن أداء نواب الحزب الوطنى فى تمثيل دور المعارضة تحت قبة مجلس الشعب «أوفر».. زائد عن الحد لدرجة أن الناس تفهم جيدا أنهم يمثلون، والمجتمع يتابع هذا الأداء كما يتابع أى تمثيلية فى التليفزيون، فالممثلون لم ينجحوا فى تجسيد أدوارهم رغم أنهم فى هذه الدورة كانوا يقدمون طلبات الإحاطة بالطن، وكانت تعبيراتهم عنيفة وحادة للغاية فى توجيه اللوم والتقريع للحكومة ووزرائها.
فمنذ أيام وقف المهندس أحمد عز، أمين التنظيم بالحزب الوطنى المسؤول الأول عن خلو المجلس من المعارضة، وقال إنه لا يثق فى قدرة الحكومة على حصر المستفيدين من الدعم، بل إن الدكتور يوسف بطرس غالى، وزير المالية، ليست لديه القدرة على ذلك.. وهنا ينبغى أن نسأل المهندس عز.. من الذى جاء بهذه الحكومة؟ نحن أم أنتم؟ وما دمتم لا تثقون فى حكومة الحزب، فلماذا لا تسحبون الثقة منها وتأتون بغيرها فورا حتى لا تستمر فى توزيع الدعم على هذا النحو غير العادل وبحيث تكون الحكومة الجديدة أكثر قدرة على تحقيق ما لم تستطعه الحكومة الحالية؟ والأهم من هذا كله وأنت نائب حزب الأغلبية ولك تأثير داخل المجلس يعلمه الجميع، ما نتيجة ما تفضلت وذكرته تحت قبة المجلس؟
ومنذ أيام أيضا قال النائب محمد عبدالفتاح عمر إن وزارة السياحة فى غيبوبة، وإن الرشوة والفساد طالا معظم مرافق الدولة.. ونسأل.. هل نحن كمواطنين الذين نحكم هذه الأجهزة؟ ولماذا لا تغيرون بأنفسكم هذه الأوضاع المختلة، فلا تكون لدينا وزارة فى غيبوبة، ولا تكون لدينا رشوة فى معظم مرافق الدولة؟ وهل تقولون ذلك داخل أروقة الحزب الوطنى الحاكم أم أن الدور يقتضى ذلك فقط تحت قبة البرلمان حتى يشعر الناس بأن المعارضة موجودة رغم عدم وجود معارضين من أحزاب أخرى؟ وهل يستمع لكم قادة الحزب أم أنكم مثلنا لا حول لكم ولا قوة؟
وكثيرون من نواب الحزب الوطنى أصبحوا الآن يفضلون لعب دور المعارضة داخل مجلس الشعب ففيه ظهور إعلامى أفضل لهم، ولكن الأمر إذا زاد عن الحد انقلب للضد، فنواب أشداء ممن لعبوا أدوارا قوية خلال السنوات الماضية أصابهم الضرر من هذه السياسة، فالنائب الدكتور زكريا عزمى مثلا كانت له مواقف قوية، ومنها ما تحول لقول مأثور، فهو صاحب جملة إن فساد المحليات وصل للركب والتى تتناقلها الأقلام منذ أكثر من 7 سنوات، ولكن رغم ذلك مسته شبهة التمثيل، فخلال أسبوعين هاجم حشدا كبيرا من الوزراء واتهم عددا منهم بالتقصير، وكان آخر طلعاته تحذير من قتل الناس فى طوابير أنابيب البوتاجاز.
والحقيقة أن أحدا لم يجبر الحزب الوطنى على لعب هذا الدور الذى لا يجيده، فلا يمكن أن يلعب النواب دور الأغلبية والمعارضة فى نفس العمل الفنى، فهذا يستعصى على عتاة الممثلين.. ولم يطلب أحد من الحزب الوطنى ونوابه أن يجعلوا المجلس منزوع المعارضة، وحينما انتقد الكثيرون هذا الوضع، أعلنت قيادات كبيرة فى الحزب الحاكم أن المعارضة ستكون داخلية من نواب الحزب الوطنى أنفسهم، وهو ما يفسر الدور الذى يلعبه بعض النواب الجدد بقيادة بعض النواب القدامى تحت القبة بالفعل.
هذا النوع من الأداء لا يؤدى إلى نتيجة، وإذا كنا نلوم على المعارضة عدم تأثيرها فى الشارع خلال الدورات البرلمانية الماضية، فإننا الآن نلوم على الأغلبية تمثيلها لدور المعارضة، فنواب الحزب الوطنى ينطقون الآن داخل المجلس بنفس اللغة التى كان يتحدث بها نواب المعارضة منذ شهور وبنفس الكلمات، وفى الحالتين لا تأثير، إلا أن المعارضة حينما كانت تنتقد كان الحزب الوطنى يدافع، أما الآن فنحن أمام تمثيلية سخيفة مخرجها فاشل.
كان يجب أن نكون الآن على أعتاب مرحلة جديدة تفتح فيها جميع المنافذ للحوار، ونعيش فيها داخل مجتمع واحد دون فرز أو تجنيب، ولكننا فوجئنا ببرلمان خالى المعارضة يجرنا لزمن الحزب الواحد فى زمن أصبحت فيه الأغلبية تأتى بفارق مقاعد معدودة عن المعارضة.. والناس ليست ساذجة كى تصدق مثل هذه التمثيليات.
الأكرم لنواب الأغلبية أن يتركوا الحكومة فى سياساتها بدلا من أن يعلنوا رفضهم لها ويكيلوا لها الاتهامات لمجرد إقناع الناس بأن عدم وجود معارضة داخل المجلس لم يؤثر على أداء البرلمان.. ولو كان هناك من يظن أن مثل هذه التمثيليات ستدفعنا للأمام، فهذا ظن خاطئ جملة وتفصيلا، وتكريس لانفصال الشعب عن حكومته وبرلمانه.. نحن نريد تغييرا فى الأفكار الخاصة بنمط الحكم فى مصر، لا مجرد تغيير وزراء ومحافظين بنفس الأفكار القديمة التى تثير السخرية منا.. الهوة بين المواطن وحكومته أصبحت سحيقة لدرجة لا يستغرب معها نمو حركات للعنف والتطرف.
يا سادة.. مصر لا تحتاج إلى تمثيل.. مصر تحتاج إلى الثقة والمصداقية.