21 مايو العرض.. بدون مخرج
المشهد يتغير كل يوم.. المفاجآت لا تتوقف.. التساؤلات ليست لها حدود.. ماذا بعد؟ هل تتحول مصر للأفضل أم للأسوأ؟.. البعض متفائل.. والبعض متشائم.. ولكن الكل لا يعلم يقينا المشهد التالى مباشرة.
كنا فى ثورة أطلق شرارتها شباب يفرح القلب.. تمكنوا من إعادة الأمل المفقود.. وتحقق على أيديهم وبأفكارهم حلم كان بعيد المنال.. أسقطوا النظام ورحل مبارك.. العالم كله كان ينظر لمصر نظرة إعجاب، وعبر كبار قادة العالم عن هذا الإعجاب بكلمات إطراء وثناء تدعو المصريين جميعا للفخر.. واستبشر المصريون خيرا..
بل إن المشاهد التى تلت ذلك لم تكن ترد فى الأحلام.. فمبارك وأسرته ورجال نظامه تحت قبضة القانون.. مشاهد سعيدة تنبئ بأن مصر ستتحول إلى واحدة من كبريات ديمقراطيات العالم.. وبات كثير من المستثمرين فى الخارج يستعدون لضخ استثماراتهم إلى مصر.. فالديمقراطية تحقق مناخا أمثل للاستثمار.
ولكن لدينا الكثير من المشاهد الحزينة.. بلطجة.. غياب أمنى.. مظاهرات فئوية.. فوضى إعلامية.. تدهور اقتصادى.. عادى وطبيعى.. فبعد كل ثورة لابد أن تحدث ثورة مضادة.. فالتغيير من نظام لنظام لا يكون سهلا.. وهذه الظواهر عارضة ومؤقتة تنتهى سريعا.. ولكن هذه المشاهد طالت أكثر من اللازم.. وكلنا طلبنا حسما نتفق على ضرورته ولا نلمسه على أرض الواقع.
المشاهد الحزينة تزداد.. قطع طرق وسكك حديدية.. إطلاق رصاص على المحاكم احتجاجا على أحكام قضائية.. تهريب مساجين من أقسام وسجون.. السلاح الآلى أصبح، كالتليفون المحمول، متوافراً فى يد الجميع.. عادى.. فالشرطة سقطت مع النظام السابق.. وعلينا أن نتحمل قليلا حتى تلتقط أنفاسها وتعيد تنظيم صفوفها.. ولكن المشاهد تتوالى والوقت يمر دون أن تفعل.. ولا يبدو أنها ستفعل قريبا.. فهم من جهة محبطون مما أصابهم يوم 28 يناير.. ومن جهة هم معترضون على محاكمة زملائهم أمام القضاء باعتبار أنهم أطلقوا الرصاص على المتظاهرين امتثالا لأوامر قياداتهم أو دفاعا عن الأقسام.. ومن جهة ثالثة هم يتهيبون استخدام العنف ضد البلطجية والمجرمين، خشية المساءلة دون تفريق بين إطلاق الرصاص على مواطن يتظاهر سلميا ومجرم خطر على الأمن العام.
المشاهد الحزينة تزداد مأساوية.. حرق كنائس.. مظاهرات طائفية.. عادى.. فالنظام الذى رحل كان يتعامل مع الحوادث الطائفية بمعزل عن القانون.. وكان يسعى لحل الخلافات بشكل ودى لاعلاقة له بالدولة ومفهومها.. فزاد الكبت.. وما إن زال النظام حتى حدث تفريغ طبيعى لهذا الكبت.. مرحلة صغيرة وتمر بسلام.. فالمصريون الذين خرجوا للثورة كان يجمعهم علم واحد وهتاف واحد.. ولكن الواضح أن الاحتقان لا يزول سريعا رغم التعامل المختلف فى القضايا الطائفية، فقد تم القبض على الجناة فى أحداث إمبابة وتقديمهم للعدالة، ورغم التعهد الرسمى بحل مشاكل كثيرة كانت مجمدة.. فلدينا مليونية للوحدة الوطنية فى التحرير، وفى نفس الوقت لدينا مظاهرة قبطية أمام ماسبيرو.
يصعب جدا أن نتوقع المشهد التالى.. ولكن المؤكد أن خطرا بالغا قادم لو ظلت المشاهد المأساوية متتالية.. وهذا محتمل.. فلا أحد يعلم كيف يتحقق هدف الدولة المدنية الحديثة، بينما التيارات الدينية تسيطر على الملعب السياسى.. ولا أحد يعلم كيف تستقر الأوضاع الأمنية فى ظل التلكؤ الشرطى.. ولا أحد يعلم كيف تجرى الانتخابات البرلمانية القادمة قبل الرئاسية وقبل وضع دستور جديد للبلاد يعبر عن التغيير الذى يريده شعب مصر فى ثورته على النظام السابق.. ولا أحد يعلم الرؤية المستقبلية مادام المجلس العسكرى أعلن أنه يدير ولا يحكم.. ولا أحد يعلم كيف يتم ضبط الأداء العام للدولة المصرية إذا كانت الحكومة تقرر ولا تمتلك أدوات تنفيذ القرار.. ولا أحد يعلم كيف تستقر الأوضاع فى مصر ونحن نسمع كثيرا عن يد من حديد ولا نشعر بها فى مواجهة الانفلات الموجود فى الشارع.
لقد كنا ندلل على عظمة ثورة 25 يناير بأنها أول ثورة بلا قائد، وأنها ثورة شعبية حقيقية يتفق فيها الشعب كله على مطلب واحد دون أن يكون هناك متحدث وموجه لها.. ولكن بمرور الوقت تبين أن هذا لم يكن ميزة كما كنا نظن.. فالثورة لابد لها من قيادة يلتف حولها الثوار وتقود الثورة من هدف إلى هدف.. الحقيقة أننا دخلنا عرضا مسرحيا مثيرا بكل ما تحمله الكلمة من معان.. فالمشاهد ساخنة.. والأحداث سريعة ومتلاحقة ومفاجئة.. ويصعب توقع المشهد التالى.. وبالقطع يصعب توقع النهاية.. نحن أمام عمل درامى لم يتم إعداد سيناريو له.. كل ممثل يقوم بتأدية الدور الذى يحلو له فى الوقت الذى يقرره وحسب الظروف.. عمل ضخم يتم عرضه على المسرح دون أن يكون له مخرج كفء وموهوب يضبط أداء الممثلين، ويحدد لهم الأدوار بدقة حتى يقتنع كل المشاهدين بالأداء.. المخرج الآن ضرورة لتحقيق أهداف الثورة.