المسؤولية.. التى حرمنا منها مبارك

المسؤولية.. التى حرمنا منها مبارك

Spread the love

أشعر بأننى أمام اختبار صعب للغاية.. فسوف أتوجه اليوم لأول مرة للمشاركة فى انتخابات سياسية منذ 30 عاماً، بعد أن كانت كل مشاركاتى الانتخابية تقتصر على نقابة الصحفيين ونادى الزهور الرياضى.. لم أكف عن التفكير على مدى 3 أسابيع حتى أتوصل إلى رأى فى التعديلات الدستورية المطروحة للاستفتاء العام اليوم، وحتى كتابة هذه السطور لم أتوصل لرأى قاطع بالموافقة عليها أم رفضها، فكلا الرأيين له مميزاته وعيوبه.

هل أقول نعم للتعديلات الدستورية، وهى تعديلات جيدة فى حد ذاتها حيث تحدد سقفا زمنيا لتولى الرئاسة فى مصر، وتحدد شروطا معقولة للترشح للرئاسة، وتُخضع الانتخابات لإشراف قضائى كامل، وتنهى مقولة سيد قراره التى سمحت لأشخاص بالبقاء فى مقاعد النواب سنوات وسنوات فى مجلس الشعب ليقوموا بمهمة التشريع رغم صدور أحكام بعدم صحة عضويتهم..

ولكن رغم وجاهة التعديلات المطروحة أجد أن الدستور لم يعد يصلح معه تعديل، ورغم أن التعديلات تلزم رئيس الجمهورية القادم بتشكيل لجنة لصياغة دستور جديد، فإن هناك تخوفاً من تدخل هذا الرئيس القادم بالضغط على هذه اللجنة للحفاظ على سلطاته اللامحدودة، التى نعانى منها فى الدستور القائم والمعطل حاليا.. فلا يوجد ما يمنع الرئيس القادم من التدخل إلا أن يأتى هو نفسه بعد وضع دستور جديد متكامل وعلى أساسه.. فلو سمح الدستور الجديد بنفس السلطات الممنوحة للرئيس فى الدستور الحالى، سنكون قد تقدمنا للخلف، وسنحتاج لثورة أخرى بعد عدة أجيال لتعديل الدستور .

هل أقول لا للتعديلات الدستورية المقترحة، وهنا تكون المغامرة باستمرار المرحلة الانتقالية لفترة أطول بكل ما تعنيه من مخاطر، فلا يمكن أن يتعافى الاقتصاد فى ظل المراحل البينية الانتقالية، ولايمكن للقوات المسلحة أن تظل داخل المدن بدباباتها ومدرعاتها وجنودها بعيدا عن ميادين العمل الطبيعية بالمعسكرات.

هل أذهب للجنة الاستفتاء وأبطل صوتى، وأعتبر هذا موقفا منى يعبر عن حيرتى بين نعم ولا؟

فى كل الحالات سأذهب للجنة الاستفتاء لأعلن رأيى، فأنا الآن أشعر بأن صوتى أصبح له قيمة حتى لو أبطلته.. وأشعر للمرة الأولى أن قوة ما تدفعنى إلى لجنة الاستفتاء والمشاركة بالرأى فى أول عملية انتخابية سياسية موثوق فيها منذ 30 عاما.. ولأول مرة أجدنى مستغرقا فى التفكير ساعات طويلة للوصول إلى رأى فى هذه التعديلات الدستورية المقترحة، ولأول مرة أشعر بأن صوتى أمانة، وأن أحداً لن يغير إرادتى، وأن ما سيتم تنفيذه هو ما ستتفق عليه أغلبية أبناء هذا الوطن.. ومهما كانت النتيجة فعلينا أن نحترم رأى هذه الأغلبية حتى لو كنا مخالفين لها.

لم يخالجنى هذا الشعور من قبل حينما تعدلت المادة 76 من الدستور عام 2005، ولم يخالجنى حينما تعدلت 34 مادة من الدستور دفعة واحدة عام 2007، فقد كنت رافضا لها كلها واعتبرت أن رأيى هو ما كتبته هنا، ولم أجد دافعا للذهاب إلى لجنة الاستفتاء فى المرتين، لأن ذهابى لم يكن ليغير من النتيجة شيئا، فالرئيس السابق أعلن التعديلات، وكان من المحتوم تنفيذها.. ولم يكن بيننا من كان يتوقع مفاجأة.. فالنتائج كانت معروفة مسبقا، وكنا جميعا نعلم أنها مجرد تمثيلية مطلوب منا أن نؤدى فيها دور الكومبارس الصامت الذى يمر فى المشهد دون أن يتحدث، فإذا حُذف من المشهد لم تتغير الأحداث.. ولهذا لم تتكون لدىَّ الرغبة للمشاركة فى أى انتخابات سياسية سابقة، ولكننى كنت دائماً مضطراً لمتابعتها بحكم المهنة، ووصلنا لدرجة الاعتياد على التزوير الفادح والفاضح، فلم يكن النظام يعبأ برأينا، ولم نكن نحن نصدقه.

أرهقنى التفكير.. وأشعر دائما بأننى أحتاج أن أفكر أكثر فيما سأكتبه على بطاقة التصويت اليوم.. وقد سألنى كثيرون من أصدقائى عن الرأى الأصح، ووجدتهم كلهم فى نفس حيرتى، لأنهم كلهم الآن أصبحوا مسؤولين ومشاركين فى صنع القرار عبر صندوق الاستفتاء، فما سيكتبونه على بطاقة التصويت سيحدد مستقبلهم ومستقبل أولادهم، وهذه مسؤولية كبرى أعفانا منها الرئيس السابق حسنى مبارك 30 عاما، فلم يشغلنا بالتفكير فى هذه الأمور، وكان نظامه يصوّت بالنيابة عن جميع المصريين بما يتفق مع رغباته.. وكان الرئيس السابق سعيدا بذلك، لأنه يستطيع أن يفعل ما يشاء وقتما يشاء باسمنا نحن المصريين.. وكنا نحن المصريين لا نشارك لأننا كنا على ثقة بأن كل ما يحدث ليس من الحقيقة فى شىء.

مهما كانت الحيرة عند كل المصريين بين نعم ولا.. فإن ذلك ليس مهما على الإطلاق، فالمهم أن المصريين الآن أصبحوا يفكرون ويرغبون فى المشاركة، وفى هذا مكسب كبير حرمنا منه النظام السابق طويلا ومنعنا متعته، ويجب ألا نسمح بالعودة للخلف.