تقصير أمني أدى إلى فتنة

تقصير أمني أدى إلى فتنة

Spread the love

أخطر ما يمكن هو أن نسير كالقطيع وراء أن جريمة نجع حمادى هى حادث طائفى، وننسى سلسلة من الأخطاء التى أدت للحادث وخلقت مناخا ملائما ومثاليا لوقوعه.. واستمرار هذه الأخطاء يعنى وقوع حوادث أكثر.

وأول ما يلفت الانتباه فى تلك القضية هو ذلك القصور الأمنى الواضح الذى حذر منه كثيرون من قبل، وكان مسؤولو الأمن يصمون آذانهم عنه دائما..

ففى مساء عيد الميلاد المجيد، كانت الكنائس تعج بالمسيحيين، وكانت أبجديات العمل الأمنى أن يتم تشديد الخدمات على الكنائس، وأن تكون الكثافة الأمنية متناسبة مع التوقعات حسبما يسمى الخطة الأمنية.. وكان من الطبيعى أن ترصد أجهزة الأمن تلك السلسلة من التوترات فى المنطقة على مدى أسابيع، وتتوقع أن خطرا ما قد يحدث..

ولكن التكثيف الأمنى كان مركزا فقط على كاتدرائية العباسية نظرا لأن كبار رجال الدولة سوف يتواجدون بها وقت القداس.. وهؤلاء فقط هم الأولى بالأمن فى هذه المناسبة وفى غيرها.. ولا أفهم كيف يستطيع الأمن تدبير الآلاف لتطويق 10 متظاهرين معروفين بالاسم مسبقا، ولا يكلف نفسه عناء توفير الحماية لمناطق التوتر المحتملة فى مناسبة كهذه.

ويؤكد هذا القصور الأمنى تلك السهولة التى يمكن بها الحصول على سلاح آلى فى مصر.. ويزيد الاقتناع بهذا القصور إذا وضعنا فى الاعتبار أن المتهم الأول فى الحادث «مسجل خطر» لديه سجل جنائى حافل.. ومن الطبيعى هنا أن يكون هذا المسجل الخطر محل مراقبة.. ولكنه خرج وحصل على سلاح أو كان معه من قبل وسار به فى الشوارع، وهو ليس طبنجة صغيرة يمكن إخفاؤها فى الملابس بسهولة..

وتمكن من أن يتنقل بهذا الرشاش ليجلس أولا على المقهى ويلتقى باقى المتهمين –حسبما نشر من التحقيقات– ثم يذهب لمسرح الجريمة ويبدأ فى تصفية ضحاياه فى النقطة الأولى، ثم يسير بالسيارة عدة أمتار ويبدأ فى تصفية ضحاياه فى النقطة الثانية، ثم ينتقل لنقطة ثالثة ويكرر نفس الأمر، وبعدها يبدأ المتهمون رحلة الفرار بأمان تام.. وطوال الوقت لم يستوقفه كمين شرطة، ولم يطلق عليه فرد أمن ولو متخفياً رصاصة واحدة ولو طائشة..

وبعد هذا كله تنصب المناقشات والخناقات الإعلامية على متابعة التطورات، ولم يفكر أحد فى الوقوف مع هذا القصور الأمنى الغريب. وهنا يكون السؤال عن جدوى استمرار العمل بقانون الطوارئ ضرورياً طالما أنه لم يمنع حادثا بشعا كهذا، وطالما أن السلاح يباع ويشترى بمنتهى السهولة؟

وكنت أتوقع –شخصيا– أن ينتقل حبيب العادلى، وزير الداخلية، لموقع الحادث كما فعل المستشار عبدالمجيد محمود مشكورا ومقدرا، أو كما فعل حبيب العادلى نفسه فى تفجيرات شرم الشيخ ودهب وطابا منذ سنوات..

ولكنه لم يفعل رغم مسؤوليته السياسية كوزير للداخلية.. ولو كان قد فعل لأعطى إحساسا بالاهتمام وامتص غضب المصريين من المسلمين والمسيحيين على السواء.

ولا يمكن هنا المرور على القصور الأمنى دون الإشارة إلى أن الأمن مثقل بملفات ذات صبغة سياسية لاعلاقة له بها، ومع إشغال الأمن بالتحرى عن راغبى التعيين فى الحكومة واختيار المعيدين والعمداء بالكليات، يكون من الطبيعى أن يحدث القصور وينشغل الأمن عن دوره الأساسى وهو منع الجريمة قبل وقوعها وفرض الالتزام بالقانون..

ولا يمكن الخروج من نقطة القصور الأمنى دون الإشارة لرواتب كل أعضاء هيئة الشرطة الهزيلة باستثناء القيادات منهم، فهم فى النهاية مواطنون يعانون فى حياتهم الخاصة مما نعانيه وليس لديهم فرص فى أعمال إضافية، وهذا ينتقص كثيرا من الكفاءة الأمنية بصفة عامة.

ومن بين أوجه القصور التى ينبغى الالتفات لها ذلك التقاعس فى نظر القضايا ربما لحساسية وخصوصية ونوعية بعض الحوادث.. فالأصل أن الجميع سواء أمام القانون.. والقانون لا يفرق بين مسلم ومسيحى.. وكلها تحتاج إلى حسم سريع وعادل، فالعدل البطىء نوع من الظلم.. وأنا شخصيا لا أجد أى مبرر لتعطيل تقديم جان للعدالة قام بتصوير فتاة عارية ونشرها على الإنترنت لمجرد اختلاف ديانتى طرفى القضية..

ولو وضعنا فى الاعتبار طبيعة المنطقة التى وقع بها الحادث، سيكون تطور الأمر وتحوله لقضية ثأر أمرا محتوما، ومن هنا تظهر أهمية تقديم الجانى –أى جان- للعدالة سريعا منعا لاشتعال الموقف.. ولكن مصر فى السنوات الأخيرة تميل لسياسة «اكفى على الخبر ماجور» داخليا وخارجيا..

وتراهن على أن الزمن كفيل بأن ينسى الناس آلامهم وأوجاعهم وجروحهم، بل إن الحكومة تلجأ فى كثير من الأمور لعقد جلسات صلح عرفية بين طرفى أى قضية، وتعتبر إغلاق ملف أى قضية وديا نوعاً من الإنجاز، رغم أنه يعنى أول ما يعنى أن الدولة لا تريد تطبيق القانون وتعطل تنفيذه.. ولكن تجاهل المشكلة لا يعنى حلها ولا يعنى أنها غير موجودة!

أى منصف ومتابع للأحداث سيفطن مباشرة إلى أن حادث نجع حمادى ملىء بالدروس والأخطاء المطلوب الاستفادة منها.. ولكنها كلها لم تناقش، واقتصر الأمر إعلاميا على مناقشة الجانب الطائفى فى القضية.. وهى قضية تستحق أن تناقش بإنصاف وعدل وحزم واحترام، لأنها الخط الأخير للدفاع عن الأمن القومى المصرى إن كان لا يزال بين قياداتنا من يهتم بأمره.