سيناء تحتاج ثورة

سيناء

سيناء تحتاج ثورة

Spread the love

هذا هو الموسم السنوى للحديث عن سيناء.. ففى هذا الوقت من كل عام نؤكد فشل خطط تنمية سيناء، وإهدار حقوق أهلها من البدو.. عقود طويلة ونحن نؤذن فى مالطا، نكتب ونصرخ، ولكن لا أحد يستمع.. ولا شىء يتغير.

وسيناء يا سادة تعادل فى مساحتها 3 دول فى حجم إسرائيل، وهى تكتنز بثروات طبيعية ومقومات سياحية هائلة، وكل شبر من أرضها يصلح لمجال من مجالات التنمية.. ولكن ما تحقق من تنمية خلال 30 عاما متواضع جدا بالنسبة لإمكانيات التنمية بها.. ركزت الخطط التنموية على الشريط الساحلى الشمالى لسيناء، ولم يطرأ عليه تغيير يذكر، كما ركزت على نقطة سياحية وحيدة فى الجنوب هى شرم الشيخ والتى تكاد تكون النموذج الوحيد الناجح بفضل قليل من التخطيط والمتابعة.. أما أكثر من 90% من مساحة سيناء فلايزال بكرا لم يخضع لأى تنمية..

كنا نقول إن المشروع القومى لتنمية سيناء كان يستهدف توطين 3 ملايين نسمة من أبناء الوادى هناك حتى عام 2017، ولم ينجح فى توطين عدة عشرات من الآلاف فقط حتى الآن رغم مرور نحو 20 عاما على بدايته.. والسبب أن القائمين على إدارة شؤون الدولة كانوا يستهترون بما يكتب، ويستهزئون بالعلم والعلماء.

وأتمنى- ونحن ندخل عصرا جديدا- أن يكون ما يكتب عن سيناء هذا العام له صدى مختلف بعد أن زال النظام الذى لم يكن يسمع سوى نفسه.. ولابد أن تبنى التنمية فى سيناء على قاعدة أساسية لا تغيب عن ذهن أى مسؤول، فلا تنمية فى سيناء دون أن يكون للعلم رأى واضح، ولا تنمية هناك دون أن يشارك فيها بدو سيناء.

والأمانة تدعونا للاعتراف بأننا أهملنا هذه الفئة من المصريين.. فبادر كثيرون باتهامهم عن جهل بالخيانة أو بالاتجار بالمخدرات.. ولكن البدو مثل أى مجتمع، أكثرهم صالح، وبعضهم طالح.. والتعميم مرفوض، واستبعاد البدو من حسابات الدولة منذ استعادة سيناء أدى لتعقيد العلاقة مع باقى المجتمع المصرى، وبدا الأمر كمواجهة بين جانبين فى كثير من الأحيان.. وهذا خطأ وخطر كبيران.

وحتى نستعيد البدو كقوة مضافة للمجتمع المصرى لابد من الاستماع أولا لمشاكلهم والاهتمام بحلها، وأهم هذه المشاكل هو هذا التوتر الكبير فى العلاقة مع الأمن، والتى تفاقمت بعد تفجيرات طابا الإرهابية منذ حوالى 7 سنوات.. ففى هذا الوقت قامت أجهزة الأمن بعمليات قبض عشوائى على الكثير من شباب البدو متجاوزين شيوخ القبائل، وبخاصة فى الشمال.. وزاد عدد المعتقلين من بدو سيناء فى السجون، وحدث شرخ كبير فى العلاقة يتحمل مسؤوليته النظام السابق.. والحقيقة أن التعامل الأمنى لم يكن يفرق كثيرا بين أبناء البدو وأبناء الحضر فى هذه النقطة.

ولابد من حل لوضع وسط سيناء على خريطة التنمية، فأرضه خصبة ومساحته واسعة، ولكنه يعانى ندرة فى المياه، ولهذا تجد قراه على نفس طبيعتها التى خلقت عليها.. وكان جميع الخبراء والمهتمين بسيناء يطالبون بأن تمر ترعة السلام من وسط سيناء، إلا أن النظام السابق أصر لأسباب غير معلنة ولا مفهومة على تسيير الترعة فى الشمال، فمرت بسهل الطينة ذى الطبيعة المالحة، فتملحت المياه فى الآبار القريبة وتناقصت الرقعة الزراعية فى الشمال بدلا من أن تزيد، ولهذا لم نعد نسمع عن الفاكهة السيناوية التى كانت تغزو الأسواق قبل سنوات.. وهنا يجب دعوة العلماء للبحث عن طريقة علمية لتوفير مياه ترعة السلام لوسط سيناء وخلق مجتمع زراعى به بدلا من تركه خاويا بلا سكان، وممرا لجيوش الغزاة.

وبدو سيناء يشعرون بعزلة عن باقى المجتمع المصرى، فهم محرومون من الانخراط فى وظائف كثيرة منها القضاء على سبيل المثال، وهذا أمر غير مبرر، فهم وطنيون مخلصون، ولو استمر فرض العزلة عليهم، سنظل مدى الحياة نتكلم عن نفس المشاكل، وتزيد الشروخ فى العلاقات بين البدو وباقى النسيج المصرى.. والتمييز الذى يعانى منه بدو سيناء دفع البعض منهم للعمل بعيدا عن القانون المصرى العام، فهم يرضخون للحكم العرفى فى حل النزاعات بينهم، ولم تحدث محاولات جادة لدمجهم اجتماعيا داخل النسيج المصرى، ورسخت سياسات النظام السابق لعزلتهم أكثر وأكثر.

إذا لم نتعامل بكل قناعة مع سيناء باعتبارها قضية أمن قومى حقيقية سنخسرها.. وإذا لم نثق فى أن تنمية سيناء أفضل طرق حماية الأمن القومى المصرى فسنكون جهلاء نكرر نفس أخطاء النظام السابق.. وإذا لم نعتنق مبدأ أن البدو شركاء فى تنمية سيناء فسنكون ندور حول أنفسنا، وسنهدر 30 عاماً أخرى من عمرها دون فائدة.. نحن نحتاج فكرا جديدا ومختلفا تماما فى إدارة سيناء.. سيناء لا تزال كنزا لم يكتشف.. واكتشافها يحتاج ثورة فى الفكر والإدارة.