07 مايو فخور بالثورة.. وخائف على مصر
حتى 24 يناير الماضى كان التفكير فى سقوط النظام ورحيل مبارك أضغاث أحلام.. ورغم أنه كان أمل معظم المصريين فإن البوح بها كان يقابل باستهزاء.. كانت مصر تئن، وكان نظام الحكم قد انفصل تماما عن الشعب.. ولكن المعجزة حدثت، وسقط مبارك يوم 11 فبراير، بل إنه وأبناءه وأركان حكمه أصبحوا الآن تحت التحفظ لحين الفصل فى قضايا فساد مالى وجرائم قتل.
كانت ثورة حضارية أذهلت العالم كله، وتوقعنا أن يستمر نفس الأداء الحضارى لتتحسن الأمور فى أسرع وقت ممكن، لكننا خرجنا عن القضبان، وتحولنا لاتجاه آخر، وأصبحنا فى خطر حقيقى.. فمن عجب أن المطحونين الذين اكتووا بسياسات النظام السابق وصبروا عليه سنوات وعقوداً نفد صبرهم بعد الثورة، وسارع كل فصيل للمطالبة بحقوقه على وجه السرعة بينما الأمور لم تستقر بعد.. والمؤكد أن غالبية المطالب عادلة، ولكن المؤكد أيضا أن هذه المظاهرات الفئوية تسببت فى تعطيل حركة العمل والإنتاج، وساعد على تفاقم الأزمة ذلك الغياب الأمنى المريب، الذى بدأ منذ 28 يناير الماضى، وكأن المطلوب تأديب الشعب الذى ثار وأسقط النظام.
والآن، وصلنا إلى منحنى شديد الخطورة.. فمصر كان لديها احتياطى نقدى أجنبى قدره 43 مليار دولار حتى نهاية ديسمبر الماضى، ومع اندلاع الثورة وتوقف العمل لفترة طويلة تم سحب 13 مليار دولار من هذا الاحتياطى حتى نهاية أبريل الماضى.. أى أننا نسحب 3 مليارات دولار من هذا الاحتياطى كل شهر، وإذا استمرت الأوضاع على ما هى عليه الآن فسنجد أن احتياطى النقد الأجنبى قد أصبح صفراً بحلول شهر فبراير القادم.. وهذه كارثة بدأنا طريق الوصول لها بالفعل بكل عزم وتصميم.. وبجهل أيضا.
والسحب من الاحتياطى النقدى أمر لا مفر منه فى هذه الظروف.. فالموارد تكاد تكون معدومة.. فالسياحة التى كانت تدر مليار دولار شهريا توقفت تماما تقريبا، ورغم سماح دول كثيرة بسفر رعاياها لمصر فإن الموقف لم يطرأ عليه تحسن، بل إن ذروة موسم السياحة الأوروبية الوافدة لمصر خلال شهرى يوليو وأغسطس لا تبشر بتحسن حتى الآن..
فالسائح يسمع أن مصر تنتشر بها أعمال البلطجة وقطع الطرق، والأمن فيها مفقود، وبالتالى سوف يبحث عن مقصد سياحى أكثر استقرارا وأمناً.. بل إن مصريين ممن يعملون فى دول عربية أحجموا هذا العام عن قضاء عطلة الصيف فى مصر، والسياحة العربية التى كانت تزدهر بمصر صيفا ستصل إلى صفر تقريبا هذا الصيف.. وعلى المستوى الداخلى تعطلت مصانع كثيرة، وتوقفت مصالح كثيرة، وأصيبت عجلة الإنتاج بالشلل، وتوقف التصدير.. وهذا كله يعنى أن موارد الدولة تكاد تزيد على الصفر بقليل..
وهذه كلها حقائق تقتضى منا تعاملا مختلفا.. والوضع الحالى لا تستطيع أى حكومة تحمله مهما بلغت قوتها، ومهما ارتفعت كفاءة وزرائها، ومهما كان الشعب مؤيدا لها.. فلابد أن يتجاوب أصحاب المطالب الفئوية، ويعودوا للعمل والإنتاج دون أن يتعجلوا المكسب.. والمطلوب أيضا أن يتحمل رجال الأمن مسؤولياتهم لاستعادة الاستقرار المفقود فى الشارع المصرى.
لقد اندلعت ثورة 25 يناير من أجل التغيير والحرية والعدالة الاجتماعية.. وهذه الأهداف كلها لم تتحقق بعد.. فما تحقق حتى الآن هو إسقاط النظام، وهو مجرد خطوة تفسح الطريق للتغيير.. والتغيير المطلوب أن تصبح مصر دولة مدنية حديثة على أسس ديمقراطية حقيقية.. ولا يمكن الوصول لأى من هذه الأهداف دون أن يعود المجتمع للعمل، وألا يغفل المجتمع عن هذه الأهداف.. ولا أرى أى تناقض بين العودة للعمل وتحقيق تلك الأهداف.. ولا أعتقد أن تحقيق أهداف الثورة يتطلب تعطيل العمل.
نحن الآن جميعا مسؤولون.. وعلينا أن نتحمل مسؤولياتنا.. فنحن كمجتمع لابد أن نعود للعمل وننصرف قليلا عن تلك المظاهرات الفئوية.. والاستجابة لهذه المطالب الفئوية – رغم عدالتها – خطأ كبير كان يفعله النظام السابق، فكان كلما أراد امتصاص غضب فئة أعلن عن كادر خاص لها، فتثور فئة أخرى وهكذا.. والحل الصحيح يكون بإيجاد حل عادل وشامل لجميع فئات المجتمع لتتحقق العدالة الاجتماعية.. والشرطة فى مصر مطالبة بأن تستعيد كفاءتها وقدراتها بأقصى سرعة على أسس جديدة وواضحة ومحترمة فى التعامل مع المواطنين، والاحترام هنا لا يعنى فقدان الأمن هيبته، وفرض الاحترام وتطبيق القانون لا يحتاجان لبطش من الشرطة.
كل مليار دولار نخسره ببساطة خلال 10 أيام فقط ربما يحتاج شهوراً لتعويضه، ويعنى صعوبات أكبر فى تحقيق أهداف الثورة.. والمناخ الحالى الذى نعيش فيه لا يستفيد منه سوى البلطجية والخارجين على القانون.. نجاح الثورة مرهون باستمرار روح الثورة.