مصر رايحة فين؟

مصر رايحة فين؟

Spread the love

هذا هو السؤال الأكثر إلحاحا، ولا أنا ولا غيرى من المصريين نملك إجابة محددة عليه.. فالبعض يرى أن مصر تضيع، والبعض يرى أن ما يحدث أمر طبيعى فى المراحل الانتقالية بعد الثورات، وبعدها ستتحسن الأوضاع.. والحقيقة أننى لا أستطيع أن أؤيد هذا الاتجاه أو ذاك.. فالإجابة المحددة لهذا السؤال تقتضى وجود قاعدة معلومات وبيانات حول اللاعبين.. فمن هم؟ وماذا يريد كل منهم؟ وما هى انتماءاتهم؟ وكيف يحققون أهدافهم؟ ومتى يتوقفون؟.. هذه كلها أسئلة لا نعلم إجابات محددة لها حتى نستطيع توقع المستقبل.. ولا أدرى ما هى الرسالة التى يريد البعض توصيلها لنا.. هل المطلوب أن نندم على حكم الرئيس السابق حسنى مبارك؟ وهل هناك من يحاول أن يشغلنا عن أمور تجرى فى الخفاء؟.. فى كل الحالات نحن المصريين الذين ندفع الثمن.

كنا فى إطار ثورة نموذجية فى كل شىء انتهت بالإطاحة بغالبية رموز النظام السابق، وتكشفت وراءهم فضائح وفظائع، وتبين أننا لم نكن نعيش فى دولة، ولكننا كنا نعيش فى وهم كبير.. فالأمن الذى كان يستأسد على المواطنين من أجل عيون النظام، كان ضعيفا لدرجة أنه تلاشى خلال 3 ساعات فقط.. ولا أحد يعرف هل توارى خجلاً أم خوفا؟ أم تغيب عمدا لتعريض المواطنين لبطش البلطجية والمجرمين فيطلب الشعب عودة الشرطة بأى ثمن؟ ولكننا قبل أن نجد إجابة لهذه التساؤلات، فوجئنا بسؤال آخر أكثر صعوبة، فعدد كبير من مبانى جهاز أمن الدولة المخيف تم اقتحامه بكل سهولة فى وقت واحد وبأسلوب واحد دون أى مقاومة.. لماذا؟ لا أحد يعلم.. هل هذا طبيعى؟ أم هو مخطط مرسوم بدقة لنصبح جميعا فى حالة عدم فهم عامة وغير قادرين على استيعاب أى من الأحداث المتلاحقة التى تحدث حولنا؟ لا أحد يعلم أى شىء.

لقد أطاح الشعب الثائر بالرئيس السابق، ورفض حكومة الفريق أحمد شفيق، لأنها كانت تستمد شرعيتها منه.. والآن لدينا حكومة جديدة برئاسة الدكتور عصام شرف، والذى بدأ من قلب الثورة فى ميدان التحرير حتى قبل أن يؤدى اليمين الدستورية.. وكنت وكان كثيرون غيرى يظنون أن الأمور سوف تعود إلى طبيعتها، ولكن على العكس تماما، قضى الرجل معظم وقته فى فض مظاهرات فئوية وطائفية، وكان المشهد الأكثر ألماً أن العلم المصرى الذى كان يحمله الجميع فى ميدان التحرير والمحافظات الأخرى، بحيث لا تميز مسلما من مسيحى- قد اختفى، وحل محله الصليب فى أيدى فصيل من أبناء الوطن، لينفردوا بمطالب خاصة بهم، فانقسمنا بعد أن وحدنا العلم المصرى.. كما ظهرت أعمال بلطجة مرعبة طوال الأسبوع الماضى، وخرج علينا بلطجية يهاجمون معتصمين فى ميدان التحرير ظهر الأربعاء الماضى لتعيد لأذهاننا شبح الأربعاء الدامى، الذى جاء ضمن كفاح الشباب فى الثورة، ولم نعرف من هؤلاء أو أولئك؟ ومن الذى دفع هؤلاء أو دفع أولئك؟

أصبحنا نسمع صراحة تحذيرات من السير على طرق معينة يتم قطعها ليلا.. وأصبحنا نسمع عن سيارات تستوقف فى الطرق المتطرفة ويجبر أصحابها على التوقيع على عقود بيع لهذه السيارات.. فهل هذا هو المناخ المطلوب أن نعيش فيه حتى نترحم على العهد البائد ونقول ليته لم ينقض؟

لقد انصرفنا عن أخطار حقيقية تهدد حياة المصريين من الخارج، فالظروف التى تمر بها ليبيا ستعيد أكثر من مليون مصرى للوطن، وهؤلاء لن يجدوا عملا فى هذه الظروف.. كما أن الاتفاقية التى وقعت عليها 6 دول من دول حوض النيل ستمس حصة مصر من مياه النيل، وحسب تقديرات الخبراء يحتمل تناقص حصة مصر من مياه النيل من 55.5 مليار متر مكعب إلى مايقرب من 40 مليار متر فقط سنويا، وهذا يعنى بالضرورة بوار أراض زراعية، وبالتالى زيادة الفجوة الغذائية.. فهل هذا المناخ الذى نعيشه الآن يسمح بالانتباه لمثل هذه المشكلات الحيوية؟ لا أعتقد على الإطلاق.

الحقيقة أننا لا نستطيع أن نضيع وقتاً أطول للتفكير فيما لا نفهمه، ولا يعنى هذا ألا نفكر ونحقق ونحاسب.. ولكن الأولوية الآن للأمن.. وحسب علمى أن نزولا عاجلا للشرطة فى الشارع وبكثافة وباحترام يعين المصريين على مواصلة الحياة.. فلدينا ضباط فى شرطة السياحة والكهرباء والنقل والمواصلات يمكن توجيههم مؤقتا للعمل بالأقسام حتى يستعيد باقى الضباط كفاءتهم وروحهم المعنوية.. ولدينا أكثر من 500 ألف جندى أمن مركزى كانت مهمتهم تأمين النظام الحاكم اصطفافا لموكب أو لمواجهة مظاهرات.. وحسب تصريحات وزير الداخلية الجديد فإن نسبة اكتمالهم الآن تبلغ 95%، وهؤلاء يمكن الاستعانة بهم بعد تدريب سريع خلال أيام، للمساعدة فى حفظ الأمن والنظام والمرور، ويتم تقسيمهم فى نوبتجيات طوال اليوم، فيعود الإحساس بأن لدينا أمناً فى الشارع، حتى يستعيد ضباط الأمن العام تأهيلهم وحتى تكون هذه إشارة من الحكومة الجديدة بأن الشرطة أصبحت فعلا فى خدمة الشعب لا النظام.

لدينا تساؤلات لا نملك لها إجابات، وقد تستغرق الإجابة عليها فترة طويلة.. ولكن الأمن في الشارع ضرورة لا يجب أن تتأخر حتى ننتبه للمشكلات التي تواجهنا في الداخل والخارج.