حكمت.. فظلمت.. فخفت.. فهربت

حكمت.. فظلمت.. فخفت.. فهربت

Spread the love

لا يمكن أن تمر أحداث تونس دون أن نتعلم من دروسها ونتفهمها جيداً.. حكاما ومحكومين.. فالأحمق فقط هو من لا يستوعب هذه الدروس، ويتخيل أن تكرار احداث تونس فى دول أخرى كلام فارغ مهما كانت الفروق بين تونس وهذه الدول.

من أهم هذه الدروس أن الشعوب مهما استكانت وهدأت، فهى تثور وتنتفض، وكلما ظن حكامها أنهم قادرون على شعوبها، تظهر دائماً مفاجآت.. ومهما كانت قبضة الأمن قوية ومسيطرة وحاكمة، لا يمكن أن تقوى بعدتها وعتادها على مواجهة غضب شعب بأكمله.

وثانى الدروس أن الديمقراطية ضمان للحاكم والمحكوم على السواء، فلو ظن حاكم أن البطش والعنف والقهر أدوات مهمة لضمان الاستمرار فى الحكم فهو بالقطع واهم، فالنار تأتى من مستصغر الشرر، وقد يتسبب انتحار شاب يائس من حياته وفاقد الأمل فى مستقبله فى ثورة شعبية لا يستطيع الرئيس وحراسه أن يقفوا فى وجهها، وقد يكون محظوظا فيهرب فى الوقت المناسب، كما حدث مع زين العابدين بن على، أو يفتك به الشعب الغاضب إذا تأخر هروبه.. والديمقراطية تضمن أداء الحاكم أمام الشعب وتضمن له الاحترام وقت خروجه.

وثالث الدروس أن المنافقين المحيطين بأى رئيس هم أول من يبيعونه وقت الخطر، فيتبرأون منه، ويكشفون أسراره التى كان يخفيها عن الجميع أمام الجميع، ويفضحون تراجعاته وهزائمه التى كان يصورها للشعب على أنها إنجازات وانتصارات، وتنال الفضائح أسرته أيضا، وهو لا يستطيع حتى أن يدافع عن نفسه، ويتحول الإمبراطور إلى هارب من شعبه ومرفوض من الشعوب الأخرى، وبعد أن كانت كاميرات الإعلام تلتف حوله كلما راح أو جاء، يخشى أن تلمحه أى كاميرا ولو كانت فى تليفون محمول.

ورابع الدروس أن الشعب له رأى، وكلمة الشعب يجب أن تسمع وتؤخذ بعين الاعتبار، فالشعب هو صاحب السيادة وليس عبداً عند الحاكم.. فلو أن الشعب استنكر غلاء الأسعار وضعف الرواتب وزيادة الضرائب وارتفاع نسبة البطالة وتدهور مستوى المعيشة وتزوير الانتخابات، فلا يملك الحاكم الراشد إلا أن يهتم ويبحث، وألا يرتكز على تقارير معاونيه وأصحاب المصالح فقط، فيشعر الناس بأنه معهم ومنحاز لهم فعلاً لا قولاً.

وخامس الدروس أن حلولاً جذرية يجب أن توضع لمشاكل المواطنين، فلا يمكن أن يترك الناس غارقين عقوداً فى مشكلات تتفاقم، فلو أن فى البلاد مشكلات سكن، لابد أن تبحث الدولة عن حل لتوفير السكن بأسعار منخفضة، لا أن تنتهج سياسات تزيد المشكلة تعقيداً.. ولو أن فى البلاد مشكلة بطالة، فلابد أن تكون هناك حلول لتشجيع الاستثمار الحقيقى بعيدا عن القوانين المفاجئة والتعقيدات الإدارية والعراقيل البيروقراطية، حتى يتحقق لها الاستقرار والاستمرار فتنجح فى تشغيل الشباب واستيعابهم وإنقاذهم من البطالة.. ولو كان الناس يشكون الفساد فى مختلف المجالات، فلابد من ضرب رؤوس هذا الفساد قبل ذيوله، ويجب استبعاد رموز الفساد أو المشتبه فى فسادهم من الدائرة المحيطة بالحاكم.

وسادس الدروس أن لكل حاكم عقلاً يفكر ويفهم به، وعليه أن يفهم بسرعة، فلو ظل حاكم 23 عاما يتصرف كيفما يشاء ويبطش كيفما يشاء، فلا يمكن أن يصدقه الناس إذا قرر فجأة أن يفهم كما حاول الرئيس الهارب زين العابدين بن على أن يقول فى آخر بيان له.. فالفهم يجب أن يكون قبل فوات الأوان.

وسابع الدروس أن ارتفاع معدلات النمو الاقتصادى ليس دليلا على رضا المواطنين، فقد ترتفع معدلات النمو رغم ارتفاع الفقر والجهل والمرض، وقد يكون مع ملايين المواطنين أجهزة تليفون محمول وهم يسكنون العشش والمقابر، فالرضا الشعبى مرهون بحصول المواطنين على حقوقهم كاملة وارتفاع مستويات معيشتهم.

وثامن الدروس أن الاستمرار مرهون بالإنجاز، فحينما يشعر الحاكم أنه لم يستطع أن يحقق إنجازاً أو يحل مشكلة فلابد أن يتنحى فورا، فينال رضا الناس واحترامهم وتقديرهم رغم فشله، بدلا من أن يصر على الاستمرار واهما أنه المناسب لكل المراحل فينال كراهيتهم وتلفظه ثورتهم.

وتاسع الدروس وأهمها على الإطلاق أن العدل إذا ضاع وساد الظلم بدلا منه، زاد الإحباط واليأس، وحلت الفوضى، وعم الخراب، فلا يمكن أن يصدر الحاكم قرارات يستشعر المواطنون منها ظلما وقهراً فيصمتون ويصمتون للأبد، فثورة المظلوم لا تُبقى ولا تذر، وهى ثورة عارمة تستهدف الحاكم ولكنها تضر الشعوب أيضا، فالمظلوم الثائر يبيح لنفسه أحيانا اغتصاب ما ليس له حق فيه، فتنهب محال وتسرق بيوت، وربما تزهق أرواح من نفس المواطنين المظلومين.

وعاشر الدروس فهو للحكام وليس للشعوب فى الدول غير الديمقراطية، فلابد أن تتواجد طائرة جاهزة بطاقمها ومزودة بالوقود قريبا جدا من منزل الحاكم 24 ساعة يومياً.